![]() |
تفسير قوله تعالى : {لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} 2013 2014 2015
تفسير قوله تعالى : {لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ}
حصريا على دريم كافيه 2013 - 2014 - 2015 - 2016 ربما يسأل بعضنا وأنا منهم عن معنى قوله تعالى :قال ابن كثير :{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [الْمُرْسَلَاتِ:35، 36] ، فَهَذَا فِي حَالٍ، وثَمّ حَالٌ يُسْأَلُ الْخَلَائِقُ فِيهَا عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْحِجْرِ:92، 93] ؛ وَلِهَذِهِ قَالَ قَتَادَةُ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} ، قَالَ: قَدْ كَانَتْ مَسْأَلَةٌ، ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَسْأَلُهُمْ: هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ عَنِ الْمُجْرِمِ، يُعْرَفُون بِسِيمَاهُمْ.وَهَذَا قَوْلٌ (2) ثَالِثٌ. وَكَأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَا يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، بَلْ يُقَادُونَ إِلَيْهَا (3) وَيُلْقَوْنَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} أَيْ: بِعَلَامَاتٍ تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ.وَقَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ: يَعْرِفُونَهُمْ بِاسْوِدَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ.قُلْتُ: وَهَذَا كَمَا يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.)انتهى :ولعل كلام الشنقيطي في العذب النمير يزيد الأمر وضوحا بإذن الله فقد قال :( {لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: آية 39] فنفى سؤال الناس عن ذنوبهم، وأنه لا يُسأل أحد عن ذنبه مع أن قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: الآيتان 92، 93] من جملة ما كانوا يعملون: ذنوبهم، فإنهم يُسألون عنها (1).ووجه الجواب: أشهر أجوبة العلماء عن هذا جوابان:أحدهما: أن السؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وهو من جنس التعذيب، وسؤال استخبار واستعلام واستكشاف، فالمنفي في الآيات: سؤال الاستخبار والاستعلام والاستكشاف؛ لأن الله هو العالم المحيط علمه بكل شيء، فليس كقضاة الدنيا الذين يَسْألون عن الحقيقة ليستفيدوا منها علماً، فهو عالم بما صنعوا، مُسَجِّل له عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فلا يقال للواحد منهم: هل فعلت الذنب الفلاني؟ سؤال استعلام واستكشاف، بل هو مسجل عليه ذنبه، محقق عليه، لا يُسأل عنه بهذا المعنى أبداً، وإنما يُسال عن ذنبه سؤال توبيخ وتقريع، ويُقال له: لِمَ فعلت هذا؟! ألم أنهك يا خبيث عن هذا؟! وإذا وَجَدْتَ أسئلة الكفار في القرآن وجدتَها كلها أسئلة توبيخ وتقريع، كما قال لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} [الزمر: آية 71] {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [الصافات: آية 25] {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [الطور: آية 15] كل الأسئلة أسئلة توبيخ وتقريع، وأما سؤال المرسلين فليس سؤال توبيخ ولا تقريع،(بل قال عنه ابن عرفة أنه سؤال شهادة) والمراد به أن المرسلين إذا سُئلوا وقالوا: (بلَّغنا ونصحنا) رجع اللوم والتقريع على الأمم. ومن ذلك القبيل: سؤال الموءودة، وهي البنت التي كانوا يدفنونها حية، كما في قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: الآيتان 8، 9] لأن سؤال الموءودة ليس توبيخاً ولا تقريعاً للموءودة؛ لأنها لا ذنب لها، وإنما تقول: قُتِلْتُ ودُفنت حية في غير ذنب؛ ليتوجه العتاب الشديد واللوم العظيم على من فعل ذلك بها، فسؤال المرسلين وسؤال الموءودة إنما يُراد به: شدة توبيخ الكفار الذين كذبوا المرسلين، ووأدوا الموءودة. هذا معنى الآيات، وهذا معنى قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف: الآية 6] والدليل على أن سؤال الله للكفار سؤال توبيخ وتقريع، وأن سؤاله للمرسلين ليجيبوا بأنهم بلَّغوا فيتوجه التوبيخ والتقريع على الكفار زيادة على زيادة.الدليل على هذا -أنه لا يسألهم سؤال استعلام واستخبار واستكشاف- أنه أتبعه بقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7)} [الأعراف: آية 7] يعني: لا نسألهم لنستفيد منهم شيئاً لم نعلمه، بل نحن نقص عليهم جميع ما عملوا بعلم حقيقي أزلي محيط بكل شيء، وما كنا في دار الدنيا غائبين عن شيء فعلوه، فلا نسألهم سؤال استعلام واستكشاف، وإنما نسألهم سؤال توبيخ وتقريع، أما في الكفار فبالمباشرة، وفي المرسلين فليبرءوا أنفسهم بأنهم بَلَّغوا، فيتوجه التقريع العظيم على الكفار الذين كذبوهم {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} فوالله لنقصن عليهم بعلم.ومعنى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} نذكر لهم أعمالهم فذلك قصة، قصة، قصة، فيقول الله للعبد: يا فلان بن فلان ألم تعلم أنك فعلت في اليوم الفلاني، في الوقت الفلاني، في الساعة الفلانية، من الشهر الفلاني، في البقعة الفلانية، عملت كذا وكذا، وكذا وكذا؟ ثم يسرد عليه أعماله قصة قصة، وقعة بعد وقعة، حتى يأتي على جميع ما فعل، وكذلك تشهد عليهم بقاع الأرض؛ لأن الإنسان إذا عصى الله في بقعة من بقاع الأرض يومئذ ينطقها الله، وتشهد عليه البقعة، وتقول: أشهد على فلان بن فلان أنه في ساعة كذا في يوم كذا في شهر كذا فعل عليَّ كذا وكذا.كما يأتي إيضاح هذا في سورة الزلزلة في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} إلى قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: الآيات 1 - 5] تُحدث الأرض أخبارها فتخبر بما فعل الناس عليها، كما أنهم في ذلك الوقت تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وجلودهم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: آية 65] ولما لاموا جلودهم في الشهادة عليهم {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: آية 21] والله (جل وعلا) يخبر أنهم في دار الدنيا ما كانوا يتسترون على أعضائهم خوف أن تشهد عليهم، لا يظنون أنها تشهد عليهم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: الآيتان 22، 23] )انتهى بتصرف يسيرويبدو أن الشيخ لاستطراده في بيان الجواب الأول من كلام العلماء نسي أن يذكر الثاني وجل من لا يسهو .وربما نسي الطلبة الذين يفرغون الشريط فيبدو أنه ليس كتابا بل محضارات تم تفريغها,أو أنه ذكره أثناء الكلام لكني لم أنتبه .ولعل كلام ابن كثير قد بين الأقوال التي وصلته في المسألة .والله أعلمانشر لتعلم غيرك بإذن الله ربما يسأل بعضنا وأنا منهم عن معنى قوله تعالى : قال ابن كثير : {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [الْمُرْسَلَاتِ:35، 36] ، فَهَذَا فِي حَالٍ، وثَمّ حَالٌ يُسْأَلُ الْخَلَائِقُ فِيهَا عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْحِجْرِ:92، 93] ؛ وَلِهَذِهِ قَالَ قَتَادَةُ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} ، قَالَ: قَدْ كَانَتْ مَسْأَلَةٌ، ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَسْأَلُهُمْ: هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ عَنِ الْمُجْرِمِ، يُعْرَفُون بِسِيمَاهُمْ. وَهَذَا قَوْلٌ (2) ثَالِثٌ. وَكَأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَا يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، بَلْ يُقَادُونَ إِلَيْهَا (3) وَيُلْقَوْنَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} أَيْ: بِعَلَامَاتٍ تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ: يَعْرِفُونَهُمْ بِاسْوِدَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ. قُلْتُ: وَهَذَا كَمَا يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.) انتهى : ولعل كلام الشنقيطي في العذب النمير يزيد الأمر وضوحا بإذن الله فقد قال : ( {لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: آية 39] فنفى سؤال الناس عن ذنوبهم، وأنه لا يُسأل أحد عن ذنبه مع أن قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: الآيتان 92، 93] من جملة ما كانوا يعملون: ذنوبهم، فإنهم يُسألون عنها (1). ووجه الجواب: أشهر أجوبة العلماء عن هذا جوابان: أحدهما: أن السؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وهو من جنس التعذيب، وسؤال استخبار واستعلام واستكشاف، فالمنفي في الآيات: سؤال الاستخبار والاستعلام والاستكشاف؛ لأن الله هو العالم المحيط علمه بكل شيء، فليس كقضاة الدنيا الذين يَسْألون عن الحقيقة ليستفيدوا منها علماً، فهو عالم بما صنعوا، مُسَجِّل له عليهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فلا يقال للواحد منهم: هل فعلت الذنب الفلاني؟ سؤال استعلام واستكشاف، بل هو مسجل عليه ذنبه، محقق عليه، لا يُسأل عنه بهذا المعنى أبداً، وإنما يُسال عن ذنبه سؤال توبيخ وتقريع، ويُقال له: لِمَ فعلت هذا؟! ألم أنهك يا خبيث عن هذا؟! وإذا وَجَدْتَ أسئلة الكفار في القرآن وجدتَها كلها أسئلة توبيخ وتقريع، كما قال لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} [الزمر: آية 71] {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [الصافات: آية 25] {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [الطور: آية 15] كل الأسئلة أسئلة توبيخ وتقريع، وأما سؤال المرسلين فليس سؤال توبيخ ولا تقريع،(بل قال عنه ابن عرفة أنه سؤال شهادة) والمراد به أن المرسلين إذا سُئلوا وقالوا: (بلَّغنا ونصحنا) رجع اللوم والتقريع على الأمم. ومن ذلك القبيل: سؤال الموءودة، وهي البنت التي كانوا يدفنونها حية، كما في قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: الآيتان 8، 9] لأن سؤال الموءودة ليس توبيخاً ولا تقريعاً للموءودة؛ لأنها لا ذنب لها، وإنما تقول: قُتِلْتُ ودُفنت حية في غير ذنب؛ ليتوجه العتاب الشديد واللوم العظيم على من فعل ذلك بها، فسؤال المرسلين وسؤال الموءودة إنما يُراد به: شدة توبيخ الكفار الذين كذبوا المرسلين، ووأدوا الموءودة. هذا معنى الآيات، وهذا معنى قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف: الآية 6] والدليل على أن سؤال الله للكفار سؤال توبيخ وتقريع، وأن سؤاله للمرسلين ليجيبوا بأنهم بلَّغوا فيتوجه التوبيخ والتقريع على الكفار زيادة على زيادة. الدليل على هذا -أنه لا يسألهم سؤال استعلام واستخبار واستكشاف- أنه أتبعه بقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7)} [الأعراف: آية 7] يعني: لا نسألهم لنستفيد منهم شيئاً لم نعلمه، بل نحن نقص عليهم جميع ما عملوا بعلم حقيقي أزلي محيط بكل شيء، وما كنا في دار الدنيا غائبين عن شيء فعلوه، فلا نسألهم سؤال استعلام واستكشاف، وإنما نسألهم سؤال توبيخ وتقريع، أما في الكفار فبالمباشرة، وفي المرسلين فليبرءوا أنفسهم بأنهم بَلَّغوا، فيتوجه التقريع العظيم على الكفار الذين كذبوهم {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} فوالله لنقصن عليهم بعلم. ومعنى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} نذكر لهم أعمالهم فذلك قصة، قصة، قصة، فيقول الله للعبد: يا فلان بن فلان ألم تعلم أنك فعلت في اليوم الفلاني، في الوقت الفلاني، في الساعة الفلانية، من الشهر الفلاني، في البقعة الفلانية، عملت كذا وكذا، وكذا وكذا؟ ثم يسرد عليه أعماله قصة قصة، وقعة بعد وقعة، حتى يأتي على جميع ما فعل، وكذلك تشهد عليهم بقاع الأرض؛ لأن الإنسان إذا عصى الله في بقعة من بقاع الأرض يومئذ ينطقها الله، وتشهد عليه البقعة، وتقول: أشهد على فلان بن فلان أنه في ساعة كذا في يوم كذا في شهر كذا فعل عليَّ كذا وكذا. كما يأتي إيضاح هذا في سورة الزلزلة في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} إلى قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: الآيات 1 - 5] تُحدث الأرض أخبارها فتخبر بما فعل الناس عليها، كما أنهم في ذلك الوقت تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وجلودهم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: آية 65] ولما لاموا جلودهم في الشهادة عليهم {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: آية 21] والله (جل وعلا) يخبر أنهم في دار الدنيا ما كانوا يتسترون على أعضائهم خوف أن تشهد عليهم، لا يظنون أنها تشهد عليهم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: الآيتان 22، 23] ) انتهى بتصرف يسير ويبدو أن الشيخ لاستطراده في بيان الجواب الأول من كلام العلماء نسي أن يذكر الثاني وجل من لا يسهو . وربما نسي الطلبة الذين يفرغون الشريط فيبدو أنه ليس كتابا بل محضارات تم تفريغها, أو أنه ذكره أثناء الكلام لكني لم أنتبه . ولعل كلام ابن كثير قد بين الأقوال التي وصلته في المسألة . والله أعلم انشر لتعلم غيرك بإذن الله 2013 - 2014 - 2015 - 2016 |
الساعة الآن 09:10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By khloool