من قواعد المعاملات،
وأساس المعاوضات ما نص عليه سبحانه في قوله:
(البقرة:188)،
فهذه الآية الكريمة أصل تشريعي عظيم للأموال في الإسلام،
والكلام حولها يسير وفق المنحى التالي:
أولاً: الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم،
والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق.
فيدخل في هذا جميع أنواع التعامل المالي المحرم: كالربا، والقمار، والخداع، والغصب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه،
أو حرمته الشريعة، وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي،
وأثمان الخمور، والخنازير، وغير ذلك مما حرم الله أثمانه.
ثانياً: لفظ (المال) في الشرع يُطلق على كل ما يتموَّله الناس،
وينتفعون به، وما تقوم عليه مصالحهم، وتتحصل به منافعهم،
من عقارات، وأراضٍ، وسلع عينية، وأموال نقدية، ونحو ذلك.
وأكل المال {بالباطل} على وجهين:
أحدهما:
أخذه على وجه الظلم، والسرقة، والغصب، وما جرى مجراه.
والآخر:
أخذه من جهة محظورة، كالربا، والقمار، وأجر الغناء،
وأجر البغاء، وسائر الوجوه التي حرمها الشارع.
وقد انتظمت الآية تحريم كل هذه الوجوه،
وهي كلها داخلة تحت قوله تعالى:
{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
قال العلماء: ليس المراد النهي عن خصوص (الأكل)؛ لأن غير الأكل من التصرفات كالأكل في هذا، ولكن لما كان المقصود الأعظم من (المال) هو الأكل، ووقع التعارف فيمن ينفق ماله أنه أكله،
فمن ثَمَّ عبر الله عنه بـ (الأكل)
فقال: {ولا تأكلوا}.
قال ابن العربي في هذا الشأن:
"لما كان المقصود من أخذ المال التمتع به في شهوتي البطن والفرج،
قال تعالى: {ولا تأكلوا}،
فخص شهوة البطن؛
لأنها الأولى المثيرة لشهوة الفرج".
ثالثاً: اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال،
قل أو كثر، أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه. فلا يجوز بحال أخذ مال الغير،
إلا ما دلَّ الدليل الشرعي على جواز أخذه،
فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل، ومأكول بالحل لا بالإثم،
وإن كان صاحبه كارهاً، كقضاء الدين،
إذا امتنع منه من هو عليه، وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة، ونحوها،
ونفقة من أوجب الشرع نفقته،
كالأهل والأولاد. والآية صريحة في أن الإثم على من أكل أموال الناس، وهو يعلم أنه ظالم في (الأكل)،
وأما إن كان غير عالم، فلا إثم عليه.
رابعاً: قوله سبحانه: {وتدلوا بها} يشمل وجهين:
أحدهما:
تقديم الأموال رشوة للحكام، ليقضوا لهم بأكل أموال الناس بالإثم،
ورفع القضايا للحاكم ارتكاناً على الحجة الداحضة، وذرابة اللسان،
وشهادة الزور، وما شاكل ذلك من وجوه الباطل، وكل ذلك محرم بالآية الكريمة.
فإنها تقضي بتحريم كل ما يرفع إلى الحاكم فيحكم به في الظاهر ليحلها، مع علم المحكوم له أنه غير مستحق له.
الثاني: