بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( الفخرُ بالنسب ))
الفخر
بالنسب خلقٌ جاهلي ، ذمّه الإسلامُ ، ومقتَ أهله ، وحذّر من صنيعهم ..
والفخر
بالنسب عنوان سفه العقل ، وآية دنو الهمة ، فهل لإنسان الخيرة في اختيار نسبه؟ وهل النسب مما يرفع عند الله ؟ ..
إنما الفخر كل الفخر بتقوى الله - عزّ وجلّ- وبالترقّي في مراتي الكمال ، ومدارج الفضيلة .
لقد رفع الإسلامُ سلمان فارسٍ .*. كما وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهب
فكم من الناس - مع بالغ الأسف - من يُفاخر بنسبه ، ويترفّعُ على من سواهُ ، ويعقد الولاء والبراء للنسب ، مع أن الله - عزّ وجلّ - يقول في مُحكَمِ تنزيلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ..} .. ثمّ بيّن الحكمة من ذلك فقال: ((لتعارفوا)) لا لتفاخروا ، ثمّ بيّن معيار التفاضل بين الناس فقال: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) {سورة الحجرات الآية:13} ..
فليس التفاضلُ بالجنس ، أو اللون ، أو العرق ، وإنّما هو بالتقوى .
قال ابن حزم - رحمه الله تعالى - بعد أن تحدّثَ عن العُجْب وذكر شيئاً من ضروبه: ((وإنّ أعجبت بنسبك فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا ؛ لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة ، وانظر هل يدفع عنك جوعةً ؟ أو يستر لك عورة ؟ أو ينفعك في آخرتك؟ ..ثمّ انظر إلى من يساهمك في نسبك ، وربما فيما هو أعلى منك ممّن نالته ولادة الأنبياء - عليهم السلام - ثمّ ولادة الخلفاء ، ثمّ ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء ، ثمّ ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة ، ثمّ ولادة التبابعة ، وسائر ملوك الإسلام ، فتأمّل غبراتهم وبقاياهم ، ومن يدلي بمثل ما تدلي به ذلك - تَجِدْ أكثرهم أمثال الكلاب خساسةً ، وتُلْفِهم في غاية السقوط ، والرذالة ، والتبذل ، والتحلّي بالصفات المذمومة ، فلا تغتبط بمنزلة هم فيها نُظراؤُك أو فوقك)) {الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم ص 70-71} .
ثمّ قال - رحمه الله تعالى -: - ((ثمّ لعلّ الآباء الذين تفخر بهم كانوا فساقاً ، وشربة خمورٍ ، ولاطة ، ومُتَعَبِّثِينَ ، ونوكى {نوكي: جمع أنوك وهو الأحمق ، فالنوكى الحمقى وزناً ومعنى} ، أطلقت الأيام أيديهم بالظلم والجور ، فأنتجوا ظلماً وآثاراً قبيحةً تُبقي عارهم بذلك الأيام ، ويعظم إثمهم والندم عليها يوم الحساب .
فإن كان كذلك فاعلم أن الذي أعجبتَ به من ذلك داخلٌ في العيب ، والخزي ، والعار ، والشنار ، لا في الإعجاب .
وإن أعجبتَ بولادة الفضلاء إيّاك فما أخلَّ يدك من فضلهم إن لم تكن فاضلاً ، وما أقلَّ غناهم عنك في الدنيا والآخرة إن لم تكن مُحسناً ..
والناس كلُّهم أولاد آدم الذي خلقه الله بيده ، وأسكنه جنّته ، وأسجد له ملائكتَه ولكن ما أقلَّ نفعه لهم)) ..
ثمّ قال: ((وإذا فكّر العاقلُ في أنّ فضل آبائه لا يقرّبه من ربّه - تعالى - ولا يكسبه وجاهةً لم يَحُزْها هو بسعده أو بفضله في نفسه ، ولا مالاً - فأيُّ معنى للإعجابِ بما لا منفعةَ فيه ؟؟ ..
وهل المُعجب بذلك إلاّ كالمعجبِ بمال جاره ؟ وبجاه غيره ؟ وبفرسٍ لغيره سبق كان على رأسه لجامه؟ ..
وكما تقول العامّة في أمثالها: كالغبيّ يُزهى بذكاء أبيه)) ..
وقال: ((وقد كان ابن نوحٍ ، وأبو إبراهيمَ ، وأبو لهب عمّ النبي - صلى الله عليه وسلّم- أقربَ الناس من فضل خلق الله - تعالى- وممن الشرفّ كلّه في اتِّباعهم ، فما انتفعوا بذلك)) ..
وقال ابن حبّان-رحمه الله تعالى- : ((ما رأيتُ أحداً أخسرَ صفقةً ، ولا أظهرَ حسرةً ، ولا أخيبَ قصداً ، ولا أقلَّ رُشداً ، ولا أحمقَ شعاراً ، ولا أدنسَ وثاراً من المفتخِر بالآباء الكرام ، وأخلاقهم الجِسام ، مع تعَرِّيهِ عن سلوك أمثالهم ، وقصد أشباههم ، متوهِّماً أنّهم ارتفعوا بمن قبلهم ، وسادوا بمن تقدَّمَهم ..
وهيهات أنَّى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه ، وأنَّ ينبل في الدّاريْنِ إلاّ بكدِّه)) {روضة العقلاء ص230} .
قال أحدُ الشعراء: -
أيها الطالب فخراً
بالنسب .*. إنما الناس لأمٍّ ولأبْ
هل تراهم خلقوا من فضة ؟ .*. أو حديدٍ أو نحاسٍ أو ذهبْ
أو ترى فَضْلَهُمُفي خَلْقِهِم .*. هل سوى لحمٍ وعظمٍ وعصبْ ؟
إنما الفضلُ بحلمٍ راجـــــحٍ .*. وبأخـــــــــلاقٍ كـــــرامٍ وأدبْ
ذاك من فاخر في الناسِ به .*. فاقَ من فاخــــرَ منهم وغـــلبْ
{روضة العقلاء.. ص220-221 ، وتُنسب هذه الأبيات لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب--انظر ديوان الإمام علي ..جمع نعيم زرزور صفحة: 26}
وقال الآخــــر: -
إن لم تكُن بفعال نفسك سامياً .*. لم يُغْنِ عنك سُموُّ من تسمُو بهِ
ليس القديمُ على الجديدِ براجعٍ .*. إن لم تَجِدْهُ آخِذاً بنصيبـــــــــــــــهِ
وقال الآخــــر: -
ليس الكريمُ بمن يُدَنِّسُ عِرْضَهُ .*. ويرى مروءته تكون بمن مضَى
حتى يشيدَ بنـــاءه ببنائـــــــــه .*. ويزينُ صالحَ ما أتوه بما أتــى .
منقــــول ؛؛؛؛
أرجوا أن تكونوا قد استفدتم من هذا الموضوع
الذي اخترته لكم
من كتاب: سوء الخلق
لمؤلفه: محمد بن إبراهيم الحمد .
*************+