!~ آخـر 10 مواضيع ~!



العودة   منتديات دريم كافيه > 2014



إضافة رد
مشاركات 0 المشاهدات 226 انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-2014, 01:09 AM   #1
أبــ،،،ويـــ،،ا قـلــبي
 
الصورة الرمزية أبــ،،،ويـــ،،ا قـلــبي
 آلِحآلِة » أبــ،،،ويـــ،،ا قـلــبي غير متواجد حالياً
 آنظمآمڪْ » Sep 2012  
 عّضوَيًتِـيً » 1663  
 عّمرٍڪْ » 38  
 مشآرٍڪْآتِڪْ » 23,184  
 نقآطيً » 63  
 آلِمسّتِوَيً » أبــ،،،ويـــ،،ا قـلــبي جديد  
 الجِنْس »

 دِوَلِتِيً »  Saudi_Arabia 
الإعجاب بالمشاركات
Thanks (أرسل): 0
Thanks (تلقى): 3
Likes (أرسل): 0
Likes (تلقى): 5
Dislikes (أرسل): 0
Dislikes (تلقى): 0
  »  
 
افتراضي 2014 2015تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد

- - - - - - - www.dream-cafeh.net - - - - - - -

تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد
حصريا على دريم كافيه

2013 - 2014 - 2015 - 2016



تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- أنزل كتابه مباركاً ونوراً، وهدى وشفاء وموعظة، أنزله لنتدبر آياته؛ وتلاوة القرآن لها أجر عظيم، وتجويده له أجر عظيم، ولكن تدبره هو الوظيفة الأساسية للإنسان. لماذا أنزل الله القرآن؟ لِيدَّبَّرُوا آياتِه. التلاوة تعين على التدبُّر، والتجويد، ومعرفة الوقوف، وحق الحروف، وأما التدبر فإنه إعمال العقل في معنى الآية، وهذا يزيد الإيمان، ويدفع للعمل؛ ولذلك ذكر ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه أنه أنزله ليتدبروه. والتدبر قد يكون من الإنسان وحده: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ:46]، وقد يكون التدبر جماعياً، وهو عملية مدارسة القرآن التي ذكرها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"، والسكينة هي الطمأنينة والوقار. التدارس عبادة عظيمة نسيها أكثر الناس، اجتماعك بأهلك للمدارسة مع الزوجة والأولاد لمدارسة القرآن، في اجتماعك مع أصحابك لمدارسة القرآن؛ مجالسنا كثيرة، مناسباتنا متعددة، اجتماعاتنا ذات عدد، لماذا لا نستثمر فرصة الاجتماع للتدارس ولو لجزء من الوقت؟ هذه المدارسة قِمَّتُها أن تكون في المسجد عندما يقعد أهل الإيمان ويتنادون بقولهم: تعالوا نؤمن ساعة. ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم. عباد الله: إن هذا التدارس شأنه عظيم، وأجره كبير، وهذا التدارس هو القراءة بتمعُّن، معرفة المعنى، وإنزال المعنى على الواقع؛ هذه المدارسة عبادة عظيمة نكاد نفقدها اليوم، وأكثر ما يقوم الناس به تجاه القرآن هو التلاوة، لكن المدارسة قليل من يقوم بها، إنه يشملها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعاهدوا القرآن"، لأن التعاهد مراجعة الحفظ والتلاوة، نعم، ويدخل فيها أيضاً تعاهدوا واهتموا بالقرآن، ومنه هذه المدارسة. هذه المدارسة جعلت الصحابة مِن قبلنا يحرصون عليها؛ لأنها تزيد الإيمان، وتربط بالرحمان، وكل من فقه الكتاب أكثر اقترب منه أكثر، وكل من فهم مراده أكثر أحبه الله أكثر، وهذه هي أهمية المدارسة، أهمية التدبر، أن تقترب من ربك زيادة، أن يحبك ربك زيادة، وكذلك فإن هذا التدبر يعين على الحفظ، يعين على رسوخ القرآن بالنفس؛ لأنك إذا فهمت المعنى فإنه يصعب عليك بعد ذلك أن تنسى الآية. وأيضا يحقق الترابط والتآلف؛ لأن التدارس اجتماع مؤمنين حتى لو كنت مع أهلك من أجل تحقيقه، إنه يُزكِّي النفس؛ ثم ماذا نريد أكثر من أن تتنزل علينا الرحمة والسكينة والملائكة؟ وأن يذكرنا الله فيمن عنده؟ وكل هذا مقابل هذه العبادة التي يقوم من قام بها. رمضان قادم، نسأل الله أن يبلغنا رمضان، ومن السنن فيه كما جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فكانت المدارسة بين الرسول الملَكي والرسول البَشَري تتم ليلا، دليلاً على أهميتها. والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب أن يسمع القرآن من غيره أحياناً، كما أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه ليكون ذلك عونا على التدبر والتفكر، وأن تكون مدارسة. كان الصحابة يجلسون في المسجد يتدارسون القرآن، يتعلمون الفرائض والسنن، ويذكرون الله -عز وجل-، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم الإيمان مع تعليمه القرآن، كان الصحابة يجتمعون فتطرح قضية قرآنية، مثلا: أي آية في كتاب الله أرجى؟ هناك آيات تخيف، وآيات فيها ذكر رحمة تبعث على الرجاء، فمثلا يقولون: أخوف آية في كتاب الله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء:123]. ما هي أرجى آية؟ حتى يعيش المسلم بين الخوف والرجاء، فقال بعض الصحابة: إن أرجى آية قول الله تعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:1-3]؛ فقدم غفران الذنب على قبول التوبة، وقال آخر: إن أرجى آية: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) [الحجر:49]، فقدم المغفرة والرحمة على العذاب؛ وقال آخر إن أرجى آية في كتاب الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]؛ وقال بعضهم: إن أرجى آية في كتاب الله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [يعني بشرك] أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]. وهكذا كانوا حتى في استقبال المسافرين والتعامل معهم تحصل مناقشات ومدارسات للقرآن، قال معمر: بلغني أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مر به ركب فأرسل إليهم يسألهم مَن هم؟ مَن أنتم؟ قالوا: جئنا من الفج العميق. قال: أين تريدون؟ قالوا: نريد البيت العتيق. فقال عمر: إن لهؤلاء نبأ! ما داموا بهذا الفقه وهذه الإجابات: جئنا من الفج العميق نريد البيت العتيق. فأمر رسوله أن يسألهم: أي آية في كتاب الله أحكم؟ قالوا: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]، فأي آية أعدل؟ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]، قال: فأي آية أعظم؟ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة:255]، قال: فأي آية أرجى، قالوا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. وعمر -رضي الله عنه- كان يدخل ابن عباس، مع صغر سنه، على الصحابة الكبار معه في المجلس، ويقول بعضهم: عندنا أولاد في مثل سنه فلماذا يُدخله علينا؟ حتى سألهم عمر يوماً: ما تقولون في قول الله -عز وجل-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [سورة النصر]، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وهذا ظاهر الآيات! هذا كلام ليس به استنباط، هذا ظاهر السورة، وبعضهم سكت فلم يقل شيئاً. فقال عمر لابن عباس: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ قال: لا. قال: ما تقول؟ فقلت: هو أَجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلَمَهُ له، فقال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فذلك علامة أجلك ودنو موتك وقرب انتقالك، فسبح بحمد ربك واستغفره. قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول. فِعلاً هكذا!. هذه الإشارة في السورة مَن يفهمها؟ أصحاب التدبر ومَن فتح الله عليه، وهذا ما دعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفقِّهه الله في الدين، وأن يعلمه تأويل القرآن؛ وكذلك حصل في قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:266]، عمر يسأل ابن عباس عن هذه الآية، فقال ابن عباس: ضُربت مثلا لعمل. فقال عمر: أي عمل؟ فقال ابن عباس: لعمل. فقال عمر: رجل غني يعمل الحسنات ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. مثل نقرأه ولكن من الذي يعرف مدلول المثل؟ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ)، جنة بستان عظيم ملتف الأشجار، وهذه الأشجار فيها بدائع وروائع الثمار نخيل وأعناب، ليس عنبا بل أعناب، لأن العنب أنواع، وبالإضافة إلى ذلك له فيها من كل الثمرات، كم نفاسة هذا البستان عنده؟ ما قيمة هذه الجنة عنده؟ كبيرة جداً، لنفاسة ما فيها. هذه حاله المادية، ما هي حاله الاجتماعية؟ (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ)، دخل في الشيخوخة، الآن هو ضعيف عن العمل، فهذا البستان بالنسبة له تقريباً كل شيء في رزقه، مصدر المال في المعيشة، يعيش عليه، أصابه الكبر، ليس عنده قدرة الآن على أن يكتسب شيئاً جديداً، فهو محتاج إلى البستان جداً، وليست القضية هكذا فقط، بل إنه كما قال الله (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ)، عنده ذرية صغار وعجز عن العمل لعاهة أو لمرض، أصابه اكبر وهم ذرية ضعفاء، فكيف سيكونون في حالة ضياع البستان؟ كم حاجته من هذا البستان؟ كم هي؟ ومن أجل أولاده كم هي؟. كل الأمل في البستان، الحاجة ماسة لهذا البستان، فأصابه إعصار فيه نار فاحترق! ما هي النتيجة؟ هذا المثــَل لماذا؟ مَن الذي قرأ هذه الآية؟ هذا المثل لماذا؟ مَن الذي قرأ هذه الآية؟ فكر فيها، ونحن ربما نقرأ وربما لا نقرأ، ونقصر، نمر بالآية: ما هو معناها؟ مثل ضربه الله لأي شيء؟ لشخص عمل بالحسنات وله أعمال طيبة كثيرة، يوم القيامة في حاجة ماسة إليها جدا، ولكن جاءه الشيطان في قضية الرياء والعجب، فصار يسمع ويتكلم ويسترحم. ما العمل؟ وهذه محبطات للأعمال، الرياء والعجب محبطات للأعمال، فصار على هذه الشاكلة، فماذا سيبقى له من الأجر؟ لا شيء، سيأتي يوم القيامة وهو محتاج جدا إلى الحسنات في تلك الأهوال في المحشر عند الميزان إذا جاء الله لفصل القضاء، إذا وزعت الصحف وتطايرت، وأخذ كل كتابه، والنار أمامهم لها شهيق يسمعونه وزفير، فكم تكون الحاجة إلى الحسنات؟ فلا يجد شيئاً، لماذا؟ أذهبه العجب والرياء والاغترار والمـــَنّ، (لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى) [البقرة:262]. فوجد الله عنده فوفاه حسابه، كم تكون المصيبة حينئذ؟ كيف يكون الألم النفسي حينئذ؟ إنه وقع الصاعقة، وهذا مثل، لكن مَن الذي يتدبر في هذا المثل؟ مَعَ مَن نتدارس لاستخراج الكنوز القرآنية؟. ولذلك النصيحة -أيها الأخوة- أن لابد أن تكون لنا مجالس مدارسة، ولو مع الزوجة والأولاد، نأخذ آيات ولو آية نستعرض معناها من كتب المفسرين، ثم يبدأ التدبر والنقاش في ظل هذه المعاني، ما ارتباطها بالواقع؟ ماذا نستفيد منها؟ ماذا يُستنبط؟ ما يستخرج؟ ما علاقة هذا بهذا؟ وهكذا يدور العقل في معاني ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، الله أكبر ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بديع السموات والأرض، لم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأشهد أن محمداً عبد الله إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، حبيبنا وسيدنا وقدوتنا وأسوتنا، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: قضية التدبر هذه والتفكر والمدارسة وإعمال العقل في معاني التنزيل لا تكون إلا بعد معرفة التفسير، لو أخذت التفسير الميسر، ليس غالب الناس طلبة علم يستطيعون قراءة الكتب المطولة، ولكن هنالك كتب مختصرة تبين على الأقل الكلمات الصعبة ما معناها، وكتب في التفسير تبين المعنى الإجمالي للآية، وهذه خطوة جيدة أن يعرف المسلم المعنى الإجمالي للآية، وهذه المفردات التي تأتي أمامه ما معناها. تساءل، أنت مسلم: ماذا تحفظ من قصار السور؟ ما معنى الصمد؟ لا أدري، ما معنى الفلق؟ لا أدري، ما هو الغاسق؟ لا أدري، ما معنى وقب؟ لا أدري، ما معنى لإيلف؟ لا أدري. هذه إذا كانت السور القصيرة وفيها كثير، والعاديات ضبحا. ما معنى ضبحا؟ لا أدري. فما بالك بالسور الطويلة، وهذا القرآن أهم شيء في حياتنا، هذا أهم من رسالة الدكتوراة، هذا أهم من كل الشروحات والكتلوجات والأوراق ومواقع الإنترنت والجرائد. للناس العجب! سبحان الله العظيم! يقرؤون الجرائد، ويقرؤون الكتب العامة، والتسلية، والقصص، والروايات، وربما أصر على أن يفهم كتاب شرح الجهاد؛ والكتاب الكريم، هذا الأصل، الكتاب العزيز المبارك القرآن، شرَفنا، عزّنا، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44]، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) عنه، عرفتم معناه؟ أنزلناه من أجلكم، تعلمتموه؟ ولذلك لابد من إحياء مسألة التدبر والمدارسة، لأنها سنة مفقودة يا أيها المسلمون، إلا من رحم الله. قال عالم لطلابه: هل محبة الله فرض أم لا؟ قالوا: فرض، قال: ما الدليل من القرآن؟ فما أجاب أحد، ما استحضر من دليل يوجِب، هناك آيات تصف (يحبهم ويحبونه) تصف المؤمنين بالمحبة، ولكن إن محبة الله فرض، قال لهم: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) [التوبة:24].إذن محبة الله فرض؛ لأنه لا يهدد على ترك مستحَب ولا مباح، لا يهدد إلا على ترك واجب. وهكذا كان السلف -رحمهم الله- إذا اجتمعوا، أحاديثهم ومداولاتهم كلها في هذا، أكثرها في هذا القرآن، وكان في العهد القديم عند الفتح في الحرم المكي جلسة مدارسة عشرات السنين، فيها من الأكابر وطلبة العلم ما في هذه الحلقة، تخصص، مدارسة، ليست حلقة تجويد ولا حلقة إقراء ولا حلقة تحفيظ، بل "حلقة مدارسة ". الدعوة إلى هذا الموضوع وإطلاق المبادرات حتى على الشبكة الالكترونية في إنشاء مدارس مدارسة الكترونية يتم فيها جمع عدد من الأخوات حتى من البعد ليكون موضوعها هذا مدارسة القرآن، هات آية، اعرض معانيها من كلام المفسرين، ثم يبدأ التداول في المعنى، وظلال المعني، وامتدادات المعنى، وأمثلة المعنى، والتطبيق على الواقع. أيها المؤمنون: كان علماؤنا وسلفنا يحرصون على ذلك، حتى كان الواحد منهم لا يخرج بعد صلاة العصر حتى يجلس مع صاحبه يتدارسان مع بعضهما ولو آية؛ وكان بعضهم يرتب أياما معينة، كل أسبوعين مرة أو مرتين، وهو كبير العائلة، يأتي الأولاد والأحفاد الذكور في يوم، والإناث في يوم، فالموضوع مدارسة القرآن، ولو آية، لأننا سنسأل عنه يا عباد الله، سنسأل عن هذا الكتاب. وهناك آيات تحل إشكالات كثيرة، هناك آيات إذا فهمت تعطي تحصينات قوية ضد شبهات مطروحة في الأجواء اليومية، هناك آيات تثبت الإنسان أمام المواقف الصعبة، الناس يتعرضون للحرام، شهوات، لكن لو تدبر قول الله تعالى: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) [يوسف:23]، لو تفكر الواحد وجلس في ظلال هذه الكلمات! وأحيانا جملة من آية تكفي تغطي كل الجلسة. يوسف كان شاباً وكان عذبا وكان يدخل ويخرج بلا ريبة لأنه خادم في القصر، وكان عبداً له الطاعة لسيدته، وكانت المرأة جميلة وكانت صاحبة منصب وكانت سيدته، وغلقت الأبواب، وغاب الرقيب، والزوج قليل الغيرة؛ لأنه قال يا يوسف أعرض عن هذا! ولم يقتلهما بعد الحادثة! والذهن يمر ويجول في الآية ليقول يوسف: معاذ الله! ألتجئ إلى الله، ما الكلمة التي يقولها الشاب إذا عرضت عليه فتاةٌ الحرامَ، أو مر بموقف كهذا في سيارة، في شقة، في مكان ما؟ ماذا يقول؟ أو عرض عليه الكترونيا أو هاتفياً أو في رسالة جوال، ماذا سيقول؟ ثم يُفَضِّلُ يوسفُ السِّجْنَ: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي) [يوسف:33]، ما يدعونني إليه أنا أفضل السجن عليه!. وهكذا، ولما تتأمل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33]، وتتأمل حل مشكلات النساء الآن على ضوء الآية، لأن القرار في البيت الاستقرار، يعني أكثر الوقت في البيت، (وَقَرْنَ)، ما قال واجلسن، القر في المكان: ملازمة المكان، ستحل لك إشكالات كثيرة في ظل الدعوات التي تخرج اليوم في موضوع تحرير المرأة من الشريعة ومن الأحكام.أُذن لكنَّ أن تخرجن لحوائجكن، إذن فلابد أن هناك حاجة، وعلاقة الآية بالحديث، وكيف يفسر الحديث الآية؟ ارتباطات بين الآيات. يحل لك مشكلة الربا في النسب القليلة قول الله -عز وجل-: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) [البقرة:278]، ما بقي من الربا، يعني ولو نسبة "نص" في المائة!. آيات لو تدبرها الإنسان يجد لها حل المشكلات العالمية والمحلية، الاجتماعية والنفسية، كله في هذا القرآن، لكن أين التدبر والتفكر والمدارسة؟. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اجعلنا ممن يحل حلالك ويحرم حرامك...
تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- أنزل كتابه مباركاً ونوراً، وهدى وشفاء وموعظة، أنزله لنتدبر آياته؛ وتلاوة القرآن لها أجر عظيم، وتجويده له أجر عظيم، ولكن تدبره هو الوظيفة الأساسية للإنسان. لماذا أنزل الله القرآن؟ لِيدَّبَّرُوا آياتِه.



التلاوة تعين على التدبُّر، والتجويد، ومعرفة الوقوف، وحق الحروف، وأما التدبر فإنه إعمال العقل في معنى الآية، وهذا يزيد الإيمان، ويدفع للعمل؛ ولذلك ذكر ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه أنه أنزله ليتدبروه.



والتدبر قد يكون من الإنسان وحده: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ:46]، وقد يكون التدبر جماعياً، وهو عملية مدارسة القرآن التي ذكرها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"، والسكينة هي الطمأنينة والوقار.



التدارس عبادة عظيمة نسيها أكثر الناس، اجتماعك بأهلك للمدارسة مع الزوجة والأولاد لمدارسة القرآن، في اجتماعك مع أصحابك لمدارسة القرآن؛ مجالسنا كثيرة، مناسباتنا متعددة، اجتماعاتنا ذات عدد، لماذا لا نستثمر فرصة الاجتماع للتدارس ولو لجزء من الوقت؟ هذه المدارسة قِمَّتُها أن تكون في المسجد عندما يقعد أهل الإيمان ويتنادون بقولهم: تعالوا نؤمن ساعة. ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم.



عباد الله: إن هذا التدارس شأنه عظيم، وأجره كبير، وهذا التدارس هو القراءة بتمعُّن، معرفة المعنى، وإنزال المعنى على الواقع؛ هذه المدارسة عبادة عظيمة نكاد نفقدها اليوم، وأكثر ما يقوم الناس به تجاه القرآن هو التلاوة، لكن المدارسة قليل من يقوم بها، إنه يشملها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعاهدوا القرآن"، لأن التعاهد مراجعة الحفظ والتلاوة، نعم، ويدخل فيها أيضاً تعاهدوا واهتموا بالقرآن، ومنه هذه المدارسة.



هذه المدارسة جعلت الصحابة مِن قبلنا يحرصون عليها؛ لأنها تزيد الإيمان، وتربط بالرحمان، وكل من فقه الكتاب أكثر اقترب منه أكثر، وكل من فهم مراده أكثر أحبه الله أكثر، وهذه هي أهمية المدارسة، أهمية التدبر، أن تقترب من ربك زيادة، أن يحبك ربك زيادة، وكذلك فإن هذا التدبر يعين على الحفظ، يعين على رسوخ القرآن بالنفس؛ لأنك إذا فهمت المعنى فإنه يصعب عليك بعد ذلك أن تنسى الآية.



وأيضا يحقق الترابط والتآلف؛ لأن التدارس اجتماع مؤمنين حتى لو كنت مع أهلك من أجل تحقيقه، إنه يُزكِّي النفس؛ ثم ماذا نريد أكثر من أن تتنزل علينا الرحمة والسكينة والملائكة؟
وأن يذكرنا الله فيمن عنده؟
وكل هذا مقابل هذه العبادة التي يقوم من قام بها.



رمضان قادم، نسأل الله أن يبلغنا رمضان، ومن السنن فيه كما جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فكانت المدارسة بين الرسول الملَكي والرسول البَشَري تتم ليلا، دليلاً على أهميتها.



والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب أن يسمع القرآن من غيره أحياناً، كما أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه ليكون ذلك عونا على التدبر والتفكر، وأن تكون مدارسة.



كان الصحابة يجلسون في المسجد يتدارسون القرآن، يتعلمون الفرائض والسنن، ويذكرون الله -عز وجل-، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم الإيمان مع تعليمه القرآن، كان الصحابة يجتمعون فتطرح قضية قرآنية، مثلا: أي آية في كتاب الله أرجى؟ هناك آيات تخيف، وآيات فيها ذكر رحمة تبعث على الرجاء، فمثلا يقولون: أخوف آية في كتاب الله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء:123].



ما هي أرجى آية؟ حتى يعيش المسلم بين الخوف والرجاء، فقال بعض الصحابة: إن أرجى آية قول الله تعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:1-3]؛ فقدم غفران الذنب على قبول التوبة، وقال آخر: إن أرجى آية: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) [الحجر:49]، فقدم المغفرة والرحمة على العذاب؛ وقال آخر إن أرجى آية في كتاب الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]؛ وقال بعضهم: إن أرجى آية في كتاب الله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [يعني بشرك] أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].



وهكذا كانوا حتى في استقبال المسافرين والتعامل معهم تحصل مناقشات ومدارسات للقرآن، قال معمر: بلغني أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مر به ركب فأرسل إليهم يسألهم مَن هم؟ مَن أنتم؟
قالوا: جئنا من الفج العميق. قال: أين تريدون؟
قالوا: نريد البيت العتيق. فقال عمر: إن لهؤلاء نبأ! ما داموا بهذا الفقه وهذه الإجابات: جئنا من الفج العميق نريد البيت العتيق.



فأمر رسوله أن يسألهم: أي آية في كتاب الله أحكم؟
قالوا: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]، فأي آية أعدل؟
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]، قال: فأي آية أعظم؟ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة:255]، قال: فأي آية أرجى، قالوا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].



وعمر -رضي الله عنه- كان يدخل ابن عباس، مع صغر سنه، على الصحابة الكبار معه في المجلس، ويقول بعضهم: عندنا أولاد في مثل سنه فلماذا يُدخله علينا؟ حتى سألهم عمر يوماً: ما تقولون في قول الله -عز وجل-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [سورة النصر]، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وهذا ظاهر الآيات! هذا كلام ليس به استنباط، هذا ظاهر السورة، وبعضهم سكت فلم يقل شيئاً.



فقال عمر لابن عباس: أكذلك تقول يا ابن عباس؟
قال: لا. قال: ما تقول؟
فقلت: هو أَجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلَمَهُ له، فقال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فذلك علامة أجلك ودنو موتك وقرب انتقالك، فسبح بحمد ربك واستغفره. قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول. فِعلاً هكذا!.



هذه الإشارة في السورة مَن يفهمها؟
أصحاب التدبر ومَن فتح الله عليه، وهذا ما دعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفقِّهه الله في الدين، وأن يعلمه تأويل القرآن؛ وكذلك حصل في قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:266]، عمر يسأل ابن عباس عن هذه الآية، فقال ابن عباس: ضُربت مثلا لعمل. فقال عمر: أي عمل؟
فقال ابن عباس: لعمل. فقال عمر: رجل غني يعمل الحسنات ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.



مثل نقرأه ولكن من الذي يعرف مدلول المثل؟

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ)، جنة بستان عظيم ملتف الأشجار، وهذه الأشجار فيها بدائع وروائع الثمار نخيل وأعناب، ليس عنبا بل أعناب، لأن العنب أنواع، وبالإضافة إلى ذلك له فيها من كل الثمرات، كم نفاسة هذا البستان عنده؟ ما قيمة هذه الجنة عنده؟ كبيرة جداً، لنفاسة ما فيها.


هذه حاله المادية، ما هي حاله الاجتماعية؟

(وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ)، دخل في الشيخوخة، الآن هو ضعيف عن العمل، فهذا البستان بالنسبة له تقريباً كل شيء في رزقه، مصدر المال في المعيشة، يعيش عليه، أصابه الكبر، ليس عنده قدرة الآن على أن يكتسب شيئاً جديداً، فهو محتاج إلى البستان جداً، وليست القضية هكذا فقط، بل إنه كما قال الله (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ)، عنده ذرية صغار وعجز عن العمل لعاهة أو لمرض، أصابه اكبر وهم ذرية ضعفاء، فكيف سيكونون في حالة ضياع البستان؟
كم حاجته من هذا البستان؟
كم هي؟

ومن أجل أولاده كم هي؟.


كل الأمل في البستان، الحاجة ماسة لهذا البستان، فأصابه إعصار فيه نار فاحترق!

ما هي النتيجة؟
هذا المثــَل لماذا؟
مَن الذي قرأ هذه الآية؟

هذا المثل لماذا؟

مَن الذي قرأ هذه الآية؟
فكر فيها، ونحن ربما نقرأ وربما لا نقرأ، ونقصر، نمر بالآية: ما هو معناها؟
مثل ضربه الله لأي شيء؟
لشخص عمل بالحسنات وله أعمال طيبة كثيرة، يوم القيامة في حاجة ماسة إليها جدا، ولكن جاءه الشيطان في قضية الرياء والعجب، فصار يسمع ويتكلم ويسترحم.


ما العمل؟ وهذه محبطات للأعمال، الرياء والعجب محبطات للأعمال، فصار على هذه الشاكلة، فماذا سيبقى له من الأجر؟
لا شيء، سيأتي يوم القيامة وهو محتاج جدا إلى الحسنات في تلك الأهوال في المحشر عند الميزان إذا جاء الله لفصل القضاء، إذا وزعت الصحف وتطايرت، وأخذ كل كتابه، والنار أمامهم لها شهيق يسمعونه وزفير، فكم تكون الحاجة إلى الحسنات؟
فلا يجد شيئاً، لماذا؟ أذهبه العجب والرياء والاغترار والمـــَنّ، (لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى) [البقرة:262].



فوجد الله عنده فوفاه حسابه، كم تكون المصيبة حينئذ؟

كيف يكون الألم النفسي حينئذ؟
إنه وقع الصاعقة، وهذا مثل، لكن مَن الذي يتدبر في هذا المثل؟
مَعَ مَن نتدارس لاستخراج الكنوز القرآنية؟.


ولذلك النصيحة -أيها الأخوة- أن لابد أن تكون لنا مجالس مدارسة، ولو مع الزوجة والأولاد، نأخذ آيات ولو آية نستعرض معناها من كتب المفسرين، ثم يبدأ التدبر والنقاش في ظل هذه المعاني، ما ارتباطها بالواقع؟

ماذا نستفيد منها؟
ماذا يُستنبط؟
ما يستخرج؟
ما علاقة هذا بهذا؟
وهكذا يدور العقل في معاني ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية:



الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، الله أكبر ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بديع السموات والأرض، لم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء فقدره تقديراً.


وأشهد أن محمداً عبد الله إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، حبيبنا وسيدنا وقدوتنا وأسوتنا، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



عباد الله: قضية التدبر هذه والتفكر والمدارسة وإعمال العقل في معاني التنزيل لا تكون إلا بعد معرفة التفسير، لو أخذت التفسير الميسر، ليس غالب الناس طلبة علم يستطيعون قراءة الكتب المطولة، ولكن هنالك كتب مختصرة تبين على الأقل الكلمات الصعبة ما معناها، وكتب في التفسير تبين المعنى الإجمالي للآية، وهذه خطوة جيدة أن يعرف المسلم المعنى الإجمالي للآية، وهذه المفردات التي تأتي أمامه ما معناها.



تساءل، أنت مسلم: ماذا تحفظ من قصار السور؟
ما معنى الصمد؟
لا أدري، ما معنى الفلق؟
لا أدري، ما هو الغاسق؟

لا أدري، ما معنى وقب؟

لا أدري، ما معنى لإيلف؟

لا أدري. هذه إذا كانت السور القصيرة وفيها كثير، والعاديات ضبحا.
ما معنى ضبحا؟

لا أدري. فما بالك بالسور الطويلة، وهذا القرآن أهم شيء في حياتنا، هذا أهم من رسالة الدكتوراة، هذا أهم من كل الشروحات والكتلوجات والأوراق ومواقع الإنترنت والجرائد.


للناس العجب! سبحان الله العظيم! يقرؤون الجرائد، ويقرؤون الكتب العامة، والتسلية، والقصص، والروايات، وربما أصر على أن يفهم كتاب شرح الجهاد؛ والكتاب الكريم، هذا الأصل، الكتاب العزيز المبارك القرآن، شرَفنا، عزّنا، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44]، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) عنه، عرفتم معناه؟ أنزلناه من أجلكم، تعلمتموه؟ ولذلك لابد من إحياء مسألة التدبر والمدارسة، لأنها سنة مفقودة يا أيها المسلمون، إلا من رحم الله.



قال عالم لطلابه: هل محبة الله فرض أم لا؟

قالوا: فرض، قال: ما الدليل من القرآن؟
فما أجاب أحد، ما استحضر من دليل يوجِب، هناك آيات تصف (يحبهم ويحبونه) تصف المؤمنين بالمحبة، ولكن إن محبة الله فرض، قال لهم: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) [التوبة:24].إذن محبة الله فرض؛ لأنه لا يهدد على ترك مستحَب ولا مباح، لا يهدد إلا على ترك واجب.


وهكذا كان السلف -رحمهم الله- إذا اجتمعوا، أحاديثهم ومداولاتهم كلها في هذا، أكثرها في هذا القرآن، وكان في العهد القديم عند الفتح في الحرم المكي جلسة مدارسة عشرات السنين، فيها من الأكابر وطلبة العلم ما في هذه الحلقة، تخصص، مدارسة، ليست حلقة تجويد ولا حلقة إقراء ولا حلقة تحفيظ، بل "حلقة مدارسة ".



الدعوة إلى هذا الموضوع وإطلاق المبادرات حتى على الشبكة الالكترونية في إنشاء مدارس مدارسة الكترونية يتم فيها جمع عدد من الأخوات حتى من البعد ليكون موضوعها هذا مدارسة القرآن، هات آية، اعرض معانيها من كلام المفسرين، ثم يبدأ التداول في المعنى، وظلال المعني، وامتدادات المعنى، وأمثلة المعنى، والتطبيق على الواقع.



أيها المؤمنون: كان علماؤنا وسلفنا يحرصون على ذلك، حتى كان الواحد منهم لا يخرج بعد صلاة العصر حتى يجلس مع صاحبه يتدارسان مع بعضهما ولو آية؛ وكان بعضهم يرتب أياما معينة، كل أسبوعين مرة أو مرتين، وهو كبير العائلة، يأتي الأولاد والأحفاد الذكور في يوم، والإناث في يوم، فالموضوع مدارسة القرآن، ولو آية، لأننا سنسأل عنه يا عباد الله، سنسأل عن هذا الكتاب.



وهناك آيات تحل إشكالات كثيرة، هناك آيات إذا فهمت تعطي تحصينات قوية ضد شبهات مطروحة في الأجواء اليومية، هناك آيات تثبت الإنسان أمام المواقف الصعبة، الناس يتعرضون للحرام، شهوات، لكن لو تدبر قول الله تعالى: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) [يوسف:23]، لو تفكر الواحد وجلس في ظلال هذه الكلمات! وأحيانا جملة من آية تكفي تغطي كل الجلسة.



يوسف كان شاباً وكان عذبا وكان يدخل ويخرج بلا ريبة لأنه خادم في القصر، وكان عبداً له الطاعة لسيدته، وكانت المرأة جميلة وكانت صاحبة منصب وكانت سيدته، وغلقت الأبواب، وغاب الرقيب، والزوج قليل الغيرة؛ لأنه قال يا يوسف أعرض عن هذا! ولم يقتلهما بعد الحادثة! والذهن يمر ويجول في الآية ليقول يوسف: معاذ الله! ألتجئ إلى الله، ما الكلمة التي يقولها الشاب إذا عرضت عليه فتاةٌ الحرامَ، أو مر بموقف كهذا في سيارة، في شقة، في مكان ما؟ ماذا يقول؟ أو عرض عليه الكترونيا أو هاتفياً أو في رسالة جوال، ماذا سيقول؟ ثم يُفَضِّلُ يوسفُ السِّجْنَ: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي) [يوسف:33]، ما يدعونني إليه أنا أفضل السجن عليه!.



وهكذا، ولما تتأمل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33]، وتتأمل حل مشكلات النساء الآن على ضوء الآية، لأن القرار في البيت الاستقرار، يعني أكثر الوقت في البيت، (وَقَرْنَ)، ما قال واجلسن، القر في المكان: ملازمة المكان، ستحل لك إشكالات كثيرة في ظل الدعوات التي تخرج اليوم في موضوع تحرير المرأة من الشريعة ومن الأحكام.أُذن لكنَّ أن تخرجن لحوائجكن، إذن فلابد أن هناك حاجة، وعلاقة الآية بالحديث، وكيف يفسر الحديث الآية؟ ارتباطات بين الآيات.



يحل لك مشكلة الربا في النسب القليلة قول الله -عز وجل-: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) [البقرة:278]، ما بقي من الربا، يعني ولو نسبة "نص" في المائة!.



آيات لو تدبرها الإنسان يجد لها حل المشكلات العالمية والمحلية، الاجتماعية والنفسية، كله في هذا القرآن، لكن أين التدبر والتفكر والمدارسة؟.



اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اجعلنا ممن يحل حلالك ويحرم حرامك...





2013 - 2014 - 2015 - 2016



2014 2015j]f~EvE ,lE]hvQsQmE hgrvNk - hgado lpl] whgp hglk[]

 





  رد مع اقتباس
الإعجاب / الشكر
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

2014 2015تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد


المواضيع المتشابهه للموضوع: 2014 2015تدبُّرُ ومُدارَسَةُ القرآن - الشيخ محمد صالح المنجد
الموضوع
2014 2015البشارة بأن الباطل زائل وإن علا - الشيخ محمد صالح المنجد
2014 2015ماذا تفعل إذا ركبتك الهموم - الشيخ محمد صالح المنجد
2014 2015أبشر يا أبا البنات - الشيخ محمد صالح المنجد
2014 2015فتن آخر الزمان - الشيخ محمد صالح المنجد
2014 2015أسباب صلاح البال - الشيخ محمد صالح المنجد


الساعة الآن 10:31 AM

الاتصال بنا - دريم كافيه - الأرشيف - إحصائيات الإعلانات - الأعلى

 



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By khloool

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

P.F.S. √ 1.1 BY: ! αʟαм ! © 2010

 

RSS - XML - HTML  - sitemap - sitemap2 - sitemap3 - خريطة المواضيع - خريطة الاقسام - nasserseo1 - nasserseo2

 

|
 

 
موقعكم تردد قناة اسماء بنات 2017 رمزيات صور رسائل